فصل: مسألة اشترى كرما فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه فقال له بع وأنا أرضيك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة ثمرة العارية تكون للمعري:

من سماع محمد بن خالد قال محمد بن خالد: وسألت ابن القاسم: عن رجل يعري رجلا نخلا من نخله حياة المعرى فيموت المعرى وقد أبر النخل لمن تكون الثمرة؟ قال مالك: للمعري ما لم تطب الثمرة، فإن مات وقد طابت الثمرة فمن كان أعرى فذلك لورثته.
قال محمد بن رشد: قول مالك هذا في هذه الرواية: إن ثمرة العارية تكون للمعري وإن أبرت ما لم تطب- صحيح على قياس القول بأن السقي والزكاة على المعري؛ لأنه رأى العارية باقية على ملكه ما لم يطب؛ لأنها حملها محمل الحبس، وعلى القول بأن السقي والزكاة على المعرى يكون حكمها حكم الهبة لا حكم الحبس، ويستحقها المعرى بالإبار، وتكون لورثته إن مات قبل الطياب، وهو مذهب أشهب أن التمرة تجب لورثة المحبس عليه بالإبار كالهبة، وكذلك العارية على قياس قوله، وبالله التوفيق لا شريك له.
تم كتاب العارية بحمد الله تعالى.

.كتاب العدة:

.مسألة هلك وعليه مشي إلى بيت الله فسأل ابنا له أن يمشي:

من سماع ابن القاسم من كتاب أوله باع غلاما وسألت مالكا: عن رجل هلك وعليه مشي إلى بيت الله فسأل ابنا له أن يمشي فوعده بذلك، قال: أما إذا وعده فإني أحب له أن لو فعل ذلك به، ولكن ما ذلك رأيي أن يمشي أحد عن أحد ولكني أحب إذا وعده أن يفعل ذلك به.
قال محمد بن رشد: تكررت المسألة بعينها في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب الحج، والمعنى فيها: أن مالكا استحب له أن يفي لأبيه بما وعده به من أن يمشي عنه وإن كان ذلك عنده لا قربه فيه من ناحية استحباب الوفاء بالوعد في الجائزات، وبالله التوفيق.

.مسألة يبتاع من الرجل السلعة على أن لا نقصان عليه:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال عيسى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يبتاع من الرجل السلعة على أن لا نقصان عليه، قال مالك: ليس بيعا، فإن باع فله إجارته وإن أدرك قبل أن يفوت فسخ ذلك، وإن كان عبدا فمات في يديه كانت مصيبته من البائع.
قلت له: فإن أعتقه المشتري على هذا الشرط؟ فإن عتقه جائز وتكون عليه القيمة وإن كانت جارية فأحبلها كانت عليه القيمة ومضى البيع لأنه أمر قد اختلف فيه.
ولقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يقول: إن مات فضمانه من المبتاع، ولكنا نتبع مالكا في الموت إذا فات إنه من البائع، قال: فإن فات بحمل أو عتق كان عليه القيمة، قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فإن كانت جارية فوطئها المبتاع فحملت أو لم تحمل أو أعتقها أو وهبها أو تصدق بها؟ قال: يكون عليه بالثمن الذي اشتراها به؛ لأنه ذلك رضا منه بالثمن إذا فعل ذلك، وذلك أحمل للقياس؛ لأني إن جعلته أجيرا لم أجز بيعه ولا هبته ولم أجعلها أم ولد... وإن أبا أنا جعلته بيعا فاسدا وألزمته القيمة لم يحمله القياس، وأحب إلي أن يلزمه الثمن في الفوت في هذه الأشياء الذي سألت عنها وأجعل ذلك رضا منه بالثمن.
قلت له: فإن جاء بالبيع؟ فقال: عليه قيمة ما جاء به، قال عيسى: قلت: فإن قال له ذلك بعد البيع ولم يقل له ذلك في عقدة البيع: بع ولا نقصان عليك، قال: إذا يلزمه ذلك إن باع بنقصان، وهو قول مالك أيضا، قال أصبغ: وأما إذا كان عبدا فأبق أو مات وكان الشرط بعد عقد ففيه اختلاف، والذي أقول أنا به: إنه موضوع عن المشتري، وأما إذا ذهب الثوب فلا يقبل قوله إلا ببينة أنه ذهب وإلا فهو منه، ولا يحل للمشتري أن يطأها إذا رضي بالشرط وقبله، قال لي ابن القاسم: فإن وطئ لزمته الجارية بجميع الثمن، ولا يعدى على البائع بشيء؛ لأنه لما وطئ فقد ترك ما جعل له.
قال عيسى: قلت له: فرجل اشترى من رجل سلعة ونقده الثمن ثم جاءه بعد ذلك يستوضعه؟ قال: اذهب بع ولا نقصان عليك، قال: لا بأس بهذا إذا كان قد انتقد، فإن لم يكن انتقد، فقال له: بع ولا نقصان عليك من غير أن ينقده أيضا، فلا بأس به، وإن قال له: أنقدني وبع ولا نقصان عليك فلا خير فيه، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنه يكون فيه عيوب وخصومات.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت على أنه لا يجوز أن يبيع الرجل سلعته أو جاريته من الرجل بثمن يسميه له على أنه لا نقصان عليه منه فإن وقع وعثر عليه قبل أن يفوت بوجه من وجوه الفوت فسخ، وإن لم يعثر عليه حتى فات ببيع أو حوالة سوق أو موت، فاختلف هل يحكم بذلك بحكم البيع الفاسد أو بحكم الإجارة الفاسدة، فقيل: إنه يحكم في ذلك بحكم البيع الفاسد فيصح البيع في ذلك كله بالقيمة يوم القبض وهو أحد قولي مالك وأحد قولي عبد العزيز بن أبي سلمة، وقيل: إنه يحكم في ذلك كله بحكم الإجارة الفاسدة؛ لأنه كأنه استأجره على بيعها بما كان فيها من ربح، وعلى الثمن الذي سماه له، فتكون المصيبة فيها من البائع إن ماتت وترد إليه إن كانت فاتت بحوالة أسواق أو عيب من العيوب المفسدة، ويكون له الثمن الذي بيعت به إن فاتت بالبيع كان أقل من الثمن الذي سمي له أو أكثر، ويكون للمبتاع إجارة مثله في بيعه إياها، وهذا قول مالك في هذه الرواية وقوله في موطئه وقول عبد العزيز بن أبي سلمة في الواضحة.
وأما إن لم يعثر على ذلك حتى أفاتها المبتاع بهبة أو صدقة أو عتق إن كان عبدا أو حمل إن كانت أمة فاختلف في ذلك على القول بأنها إجارة فاسدة، فقيل: إنه يكون على المبتاع في ذلك القيمة، يريد: يوم الهبة أو الصدقة أو العتق أو الإحبال مراعاة لقول من يقول: إنه بيع فاسد، فيراها في ضمانه بالقبض، وهو خلاف قول مالك في هذه الرواية، وقيل: إنها تكون عليه بالثمن الذي اشتراها به؛ لأن ذلك رضا منه بالثمن، وهو قول ابن القاسم من رواية أصبغ عنه في هذه الرواية، وأما على القول بأنه بيع فاسد فتكون عليه القيمة في ذلك كله يوم القبض على حكم البيع الفاسد قولا واحدا واختلف في هذه المسألة أيضا قول ابن القاسم؛ لأن ابن حبيب حكي عنه: أنه بيع فاسد لا إجارة فاسدة مثل قول مالك الذي رجع إليه، خلاف قوله في هذه الرواية وفي موطئه، وقوله في رواية أصبغ عنه في هذه الرواية: إنها يكون عليه بالثمن إن فوتها بعتق أو هبة أو صدقة أو إيلاد يأتي على قياس قول مالك في هذه الرواية في موطئه، وقد مضى في آخر سماع أشهب من كتاب العارية القول مستوفى في إذا باع منه بيعا صحيحا دون شرط ثم قال له بعد البيع: بع ولا نقصان عليه، فأغنى ذلك عن إعادته.

.مسألة يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل:

قلت: فالرجل يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل فاستغلاه، فقال للبائع: أقلني، فقال: بع ولا نقصان عليك، ثم قال: بع عشرة أرادب فما نقص منها وضعت لك من كل عشرة بحساب ذلك، وكان اشترى منه مائة إردب بثلاثين دينارا، فباع العشرة بدينارين، فوضع عنه عشرة دنانير.
فقال: هذا لا بأس به، وسواء كان نقدا أو إلى أجل، قبض الثمن أو لم يقبض.
قال محمد بن رشد: قوله: يشتري من الرجل طعاما نقدا أو إلى أجل، معناه: بثمن نقدا أو بثمن إلى أجل.
وقوله في آخر المسألة: إن هذا لا بأس به، وسواء كان نقدا أو إلى أجل قبض الثمن أو لم يقبض- كلام فيه نظر، أما إذا لم يقبض البائع الثمن فوضع عن المبتاع منه العشرة التي انتقص في الطعام فلا إشكال في أن ذلك جائز؛ لأنه يصير ثمن الطعام له عليه بما بقي منه بعد الوضيعة، وأما إن كان قد قبض ثمن الطعام منه وغاب عليه ثم رد إليه منه ما انتقص في ثمن الطعام فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف؛ لأن ما رد إليه من الثمن يكون سلفا، وما بقي منه يكون ثمنا للطعام، فيتهمان على القصد إلى ذلك والعمل عليه، كانا من أهل العينة أو لم يكونا إن كان الثمن إلى أجل، وإن كان الثمن نقدا فلا يتهمان في ذلك إلا أن يكونا من أهل العينة، وهذا في ما يوجبه الحكم بالمنع من الذرائع، فإن طلب المبتاع الوضيعة لم يحكم له بها في الموضع الذي يتهمان فيه على أنهما قصدا إلى البيع والسلف.
وإن لم يعثر على ذلك حتى يقبض المبتاع العشرة فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه يرد العشرة إليه ولا يفسخ البيع، والثاني: أنه يفسخ البيع ولا شيء عليهما في ذلك فيما بينهما وبين الله تعالى إن كانا لم يعملا على ذلك ولا قصدا إليه، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال ما فيه بيان هذا المعنى، فَقِفْ عليه وَتَدَبَّرْهُ يَبِنْ لك وَجْهُهُ إن شاء الله.

.مسألة البيع على أن لا نقصان على المشتري:

قال عيسى: وسألته عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه، فلما ذهب يقبضه وجده مسوسا فمخطه، فقال له البائع: بع ولا وضيعة عليه، فحمله في سفينة فغرقت السفينة.
قال: مصيبته من البائع؛ لأن البيع الأول لم يكن بشيء، وإنما هو بيع حادث فضمانه من البائع، ويعطي المشتري أجرته فيما حمله وشخص فيه.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس القول بأن البيع على أن لا نقصان على المشتري بشرط في أصل العقد إجارة فاسدة تكون المصيبة فيها من البائع، ويكون للمبتاع أجر مثله؛ لأنه لما وجد المبتاع الطعام مسوسا وجب نقض البيع، فقوله له بعد وجوب البيع لما وجب رده بسبب العيب: بع ولا نقصان عليك، بمنزلة قوله ذلك في أصل العقد؛ لأنه الآن بيع مبتدأ، وقد مضى القول على حكم هذا البيع وما فيه من الاختلاف قبل هذا، فلا معنى لإعادته.

.مسألة اشترى كرما فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه فقال له بع وأنا أرضيك:

قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل عن رجل اشترى كرما فخاف الوضيعة فأتى يستوضعه، فقال له: بع وأنا أرضيك.
فقال: إن باع برأس المال أو بربح فلا شيء له، وإن باع بوضعية كان عليه أن يرضيه، فإن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر منه يوم قال له ذلك، قال: فسألت عنها ابن وهب فقال: عليه رضاه فيما بينه وبين ثمن السلعة والوضيعة فيها، وهو أحب إلي، وبالله التوفيق.
قال محمد بن رشد: كذا وقع قول ابن وهب هاهنا، عليه رضاه فيما بينه وبين ثمن السلعة والوضيعة فيها، وهو كلام ملتبس المعنى، وقد وقعت هذه المسألة بعينها في آخر أول رسم من سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع فقال فيها: عليه رضاه بما يشبه ثمن ملك السلعة والوضيعة فيها، وهو المعنى الذي أراد هنا، فيفسر بما وقع من قوله هناك، وقد مضى القول هناك على هذه المسألة مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة ثانية هنا.

.مسألة ما يلزم من العدة:

قلت لسحنون: ما الذي يلزم من العدة في السلف والعارية.
قال: ذلك أن يقول الرجل للرجل: اهْدِمْ دَارَكَ وأنا أسلفك، واخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو تزوج امرأة، وما أشبه هذه الأشياء مما يدخله ويكون سبب دخوله لموعده، فهذه العدة تلزم، فأما أن يقول رجل لرجل أنا أسلفك أو أنا أعطيك وذلك لغير شيء ألزمه نفسه المأمور بأمر الأمر فهذا لا يلزم.
وسئل أصبغ عن العدة والرأي الذي يقضى به على من كان ذلك منه، وعن العدة التي لا يلزم بهما الحكم بما وعد، قلت: أرأيت لو أن رجلا أتاني فقال لي إني أريد النكاح فأسلفني مائة دينار لأجل كذا وكذا أقضيكها إن شاء الله، فقلت له: نعم أنا أسلفك فانكح، فذهب فنكح ثم جاء يستسلفني المائة، فقلت: قد بدا لي ألا أسلفك؟ وإنما قلت لك سأفعل، ولست أسلفك شيئا، هل يحكم علي بمثل هذه العدة، قال: نعم يحكم عليك بأن تسلفه ما وعدته على هذا السبب ويجبرك السلطان.
قلت: فإن كان لم ينكح على عدة حتى بدا لي في العدة فأعلمته قبل أن ينكح أني لا أسلفك شيئا، أيلزمني القضاء بما وعدته ولم يدخل من سبب وعدي في شيء يلزمه به شيء؟
قال: لا رجوع لك فيه سواء نكح أو لم ينكح إذا كنت قد وعدته على سبب النكاح وأخبرك حين سألك السلف بالذي يريده له وبين لك حاجته فوعدته أن تسلفه على ذلك، فالعدة تلزمك بالحكم نشب في الأمر الذي سألك السلف له أو لم ينشب فيه بعد، قال: وكذلك لو جاء، فقال لك: أعرني دابتك أركبها غدا إلى موضع كذا وكذا، وسمى لك حاجته، فقلت: نعم أنا أعيرك غدا، ثم بدا لك لم يكن ذلك لك، ويحكم عليك بعاريته.
قلت: فإن قلت لرجل: أسلفني مائة دينار إلى أجل كذا وكذا فإني أريد شراء جارية فلان أو دابة فلان أو سلعة من السلع، فقال: نعم أسلفك، ثم بدا له أن لا يفعل؟ قال: يحكم عليه بأن يسلفك ما وعدك، قال: وكذلك لو جئته، فقلت له: إن غرمائي يلزمونني بدين لهم علي وهو كذا وكذا فأسلفني أقضهم، قال: نعم، ثم بدا له لم يكن ذلك له، ويحكم عليه بأن يسلفك ما وعدك.
قلت: وكيف تلزمني هذه العدة ويحكم علي بها، وإنما أنا رجل قلت له: أنا أفعل، ولم أقل: قد فعلت، فيكون علي بواجب، وإنما هي كذبة كذبتها، فقلت: أنا أسلفك أو أعيرك، ثم بدا لي في ذلك ومالي في يدي وأنت أيضا لم تنشب في نكاح بسبب عدتي ولا ألزمك شرا ولا تجهزت لسفرك على عدتي فيكون هذا شيئا أدخلته عليك فيلزمني لذلك إمضاء ما وعدتك به للذي دخلت فيه من أجل عدتي.
قال: إنما يلزمك ذلك؛ لأن «وأي المؤمن واجب» جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ. سحنون عن ابن وهب عن هشام بن سعد يرفعه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «وأي المؤمن واجب» قال: فتفسير الوأي العدة، قال: وقضى بها عمر بن عبد العزيز.
ابن وهب عن يونس بن زيد عن ابن شهاب: أن قوما وعدوا رجلا في أعطياتهم بشيء وجدوه منها إذا خرجت فنكصوا عنه، فرافعهم إلى عمر بن عبد العزيز فقضى له عليهم بها، وهو كتاب النظرة بالدين إذا وأوا أو وعدوه بالنظرة وعدا.
قلت: فالعدة التي لا يحكم بها، ما هي؟
قال: يأتيك رجل فيقول أعرني دابتك أو أسلفني كذا وكذا بغير سبب يذكره من نكاح يريده، أو سفر يصفه، أو حاجة نزلت به في ذلك يصفها أو دين يريد قضاءه، إلا أنه كلام هكذا، فقال لك: أسلفني، فقلت: نعم أسلفك مائة دينار وأعيرك دابتي غدا، فإذا كانت العدة هكذا لم يعدها بسبب الحاجة التي يريدها له حتى تكون إنما وعدته على سبب ما وصفت لك من حاجته إلى ما سألك واضطراره إليه بالذي يريد بالدخول فيه من سبب عدتك فوعدته على ذلك فلا شيء عليك إن بدا لك ولكن إذا قاد العدة أبدا سبب الحاجة التي أرادها فوعدته بعد علم بالذي أرادها له وبين لك سبب حاجته إلى مالك فوعدته فذلك يلزمك له نشب في شيء من حاجته التي سألك فيها الذي وعدته أو لم ينشب إلا أن يترك الأمر الذي وعدته من أجله تركا فتسقط العدة عنه.
قلت: أرأيت لو أتيت رجلا، فقلت له: إني أريد غدا جمع أزواج للحرث فأعرني زوجك يحرث عندي غدا، ثم بدا له أن يعيرني، قال: أرى أن يلزمه إذا كنت قد أخبرته بإجماعك على العمل غدا ولجمعك الأزواج ونصبك لذلك، فليس له أن يرجع عما وعدك، قال: وكذلك لو أن لك على رجل دينا فسألك أن تؤخره إلى أجل كذا وكذا، فقلت: أنا أؤخرك ثم بدا لك أن لا تؤخره، لم يكن ذلك لك، ولزمك تأخيره إلى هذا الأجل.
قلت: وسواء قلت له: أنا أؤخرك أو قد وخرتك؟ قال: نعم هما سواء في الحكم عليك، غير أن قولك أنا أؤخرك عدة تلزمك، وقولك وقد وخرتك شيء واجب عليك؛ لأنه في أصل حقك لم تبتده الساعة، فكلاهما يلزمك الحكم به، غير أن قولك قد وخرتك أوجبها وأوكدها وأثبتها فيما يلزم به الحكم وإن كانا لازمين جميعا، قال أصبغ: جيدة، قيل له: فما سألناك عنه من العدة بالسلف؟ قال: إن قال له أسلفني كذا وكذا فإني أريد النكاح أو إني أريد أن أشتري سلعة أو شيئا مما أراد له السلف، فقال: نعم أنا أسلفك ما سألت ولم يكن الطالب سمى أجلا يسلفه إليه أكثر من قوله: أسلفني كذا وكذا، فقال: نعم، ثم بدا له أن لا يسلف شيئا، أيكون هذا وعدته على غير ذكر الأجل سواء؟ قال: نعم سمى أجلا أو لم يسمه له، يقضي عليه فيهما جميعا وليس له أن يبدو له ذكر الأجل أو لا يذكره له.
قلت: فإن المسلف يقول لم أعده بأن أسلفه إلى أجل بأن يحكم له بأن يسلفه ما وعده فأنا أدفع إليه ما وعدته من السلف وآخذه منه مكاني؛ لأنه حال ليس بيني وبينه فيه أجل؟ قال: يقضي عليه بأن يسلفه ما وعده به، وليس له أن يأخذه منه من ساعته حتى ينتفع به المتسلف ويمضي القضاء في قرب ذلك أو بعده فيعمل على قدر ذلك، فأما أن يعطيه السلف ثم يأخذه منه في المجلس فإن هذا لا يكون؛ لأنه إذا أخذه منه في المجلس فكأنه سلف لم يتم الحكم ولا القضاء به.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول فيها في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، فلا معنى لإعادته.

.مسألة يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى أخذه إلا جميعا:

من سماع أصبغ من ابن القاسم قال أصبغ: سئل أشهب: عن رجل يسأل رجلا دينارين فأتاه بدينار فأبى أخذه إلا جميعا، أيجبر على ذلك؟ فقال: إن كان الذي عليه الحق موسرا لم يجبر الطالب على أخذ الدينار، وأجبر الغريم على دفع الدينارين جميعا، وإن كان معسرا أجبر الطالب على أخذ الدينار وَأُنْظِرَ المطلوب بما بقي عليه، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: وقع قول أشهب هذا في رسم البيوع والعيوب من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، ووصل بذلك، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل يكون له على الرجل حق وقد حل فيأتيه ببعض حقه فيقول لا أقبله منك إلا جملة، أله ذلك أم يجبر على قبض ما جاء به؟ قال: أرى أن يجبر على قبض ما جاء به، وتكلمنا هناك على المسألة بما أغنى عن رده فمن أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه، وبالله التوفيق.
تم كتاب العدة بحمد الله تعالى.

.كتاب اللقطة:

.مسألة اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك:

من سماع ابن القاسم من مالك بن أنس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم، في اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك: أنه إن كان في طريق وضعت في قرب الأماكن إلى ذلك الموضع، وإن كان في مدينة انتفع به وعرفه، وإن تصدق به أحب إلي، وإن جاء طالبه كان على حقه.
قال محمد بن رشد: قوله في اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك من اليسير الذي له قدر وفيه منفعة ويعلم بمستقر العادة أن صاحبه شح به ويطلب أنه يعرفه، وإن كان في طريق وضعه في أقرب المواضع إليه صحيح لا اختلاف في وجوب تعريف ذلك، وإنما اختلف في حد تعريفه، فقيل: إنه يجب تعريفه حولا كاملا كالكثير الذي له قدر وبال، وهو ظاهر ما حكى ابن القاسم عن مالك في المدونة، بدليل أن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أمر بتعريف اللقطة حولا ولم يفرق بين قليل ولا كثير، وقيل: إنه ليس عليه أن يبلغ بتعريف اليسير حولا، وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة، ورواية عيسى عن ابن وهب بعد هذا في رسم النسمة من سماعه في مثل الدرهمات والدينار أنه يعرف ذلك أياما، وأما اليسير جدا الذي لا قدر له ولا بال ويعلم بمستقر العادة أن صاحبه لا يشح به ولا يطلبه فإنه لا يجب على واجده أن يعرفه، وله أن يأكله إن كان طعاما وينتفع به دون تعريف إن كان عرضا مثل العصا والسوط وما أشبه ذلك، وهو نص قول أشهب في الذي يجد العصا والسوط: إنه يعرفه فإن لم يفعل فأرجو أن يكون خفيفا.
وقوله في هذه الرواية في اليسير الذي له قدر وفيه منفعة إنه إن كان في مدينة انتفع به وعرفه، وإن تصدق به أحب إلي معناه عرفه وانتفع به، يريد: بعد التعريف، فالكلام فيه تقديم وتأخير.
وقوله: وإن تصدق به أحب إلي. معناه: بعد التعريف.
وقوله: وإن جاء طالبه كان على حقه، يريد: في الصدقة والانتفاع جميعا إن كان انتفاعه به وقد أنهكه أو نقصه فإن وجدها صاحبها في الصدقة بأيدي المساكين وهي على حالها لم يكن إلا أن يأخذها، وهذا إن كان تصدق بها عنه، وأما إن كان تصدق بها عن نفسه فله أن يضمنها قيمتها إن شاء ويدعها في أيدي المساكين، وأما إن وجدها بأيدي المساكين وقد نقصت فهو مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم تصدق بها أو يأخذها من أيدي المساكين ولا شيء له في نقصانها، وهذا إن كان تصدق بها عنه أيضا، وأما إن كان تصدق بها عن نفسه فهو مخير بين أن يضمنه قيمتها يوم تصدق بها وبين أن يأخذها من أيدي المساكين ناقصة ويرجع عليه بما نقصها، واختلف إن أكلها المساكين هل له أن يضمنهم إياها أم لا؟ فقال في المدونة: ليس ذلك له، وقال أشهب: له أن يضمنهم إن شاء ويدع الملتقط، وإن شاء أخذ الملتقط بقيمتها يوم تصدق بها، قال: وسواء في هذا تصدق بها عن نفسه أو عن ربها، وإن وجدها صاحبها بيد الملتقط وقد أنقصها بالاستعمال أخذها وما نقص منها، وإن كان قد أنهكها به كان بالخيار بين أن يضمنه قيمتها أو يأخذها ناقصة ولا شيء له أو يأخذها وقيمة ما نقصها، وقد قيل: إنه ليس له إلا ما نقصها، وقد مضى ذكر هذا الاختلاف في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب العارية وفي غيره من المواضع، وإن وجدها صاحبها بيد الملتقط على حالها فلا كراء عليه في استعماله إياها لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها».
واختلف: هل للملتقط أن يستنفق اللقطة بعد التعريف أم لا؟ على أربعة أقوال:
أحدها: أنه ليس له أن يستنفقها غنيا كان أو فقيرا، وهو مذهب مالك، ومعنى قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عنده: «فشأنك بها» أنه مخير فيها بين أن يزيد في تعريفها أو يتصدق بها عن صاحبها، فإن جاء كان مخيرا بين أن ينزل على أجرها أو يضمنه إياها.
والثاني: أن له أن يستنفقها غنيا كان أو فقيرا على ظاهر قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «فشأنك بها» فإن جاء صاحبها غرمها له، وهو مذهب الشافعي.
والثالث: أنه ليس له أن يستنفقها إلا أن يحتاج إليها، وهو قول ابن وهب في رسم النسمة من سماع عيسى بعد هذا، ومذهب أبي حنيفة وسائر أصحابه.
والرابع: أنه ليس له أن يستنفقها إلا أن يكون له بها وفاء، وبالله التوفيق لا شريك له.

.مسألة أسلم دابته على وجه اليأس منها:

ومن كتاب أوله حلف أن لا يبيع رجلا سلعة سماها:
وسئل: عن الرجل تقوم عليه دابته في السفر فيسلمها على وجه اليأس منها فأخذها رجل فتعيش عنده وينفق عليها، هل ترى لصاحبها أن يأخذها؟ قال: نعم أرى ذلك له، قيل له: أله أجرة في قيامه؟ قال: لا أرى ذلك، ولا أرى له إلا نفقته.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أسلم دابته على وجه اليأس منها: إن له أن يأخذها من الذي أخذها فعاشت عنده بعد أن يدفع إليه ما أنفق عليها- صحيح؛ إذ لم تخرج عن ملكه بإسلامه لها، فيكون له أن يأخذها ممن أخذها إلا أن يكون أسلمها على أنها لمن أخذها أو قام عليها، فيلزمه ذلك ولا يكون له أن يأخذها ممن أخذها وقام عليها، وقد قيل: إنه إذا أسلمها على وجه اليأس منها فهو محمول على أنه إنما أسلمها لتكون لمن أخذها وقام عليها، إلا أن يكون أسلمها في أمن وماء وكلاء فيكون أحق بها، حكى ذلك ابن شعبان في كتابه عن ابن وهب والشعبي والأوزاعي، فلا اختلاف إذا أرسلها في أمن وماء وكلاء أن له الرجوع فيها، وإنما اختلاف إذا أرسلها في غير أمن ولا ماء ولا كلاء، فقيل: إن له الرجوع فيها. وقيل: إنه لا رجوع له فيها. واختلف إذا رجع فيها هل يرجع فيها بيمين أو بغير يمين، والاختلاف في اليمين في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة.
وتحصيل القول في هذه المسألة أن إسلامه إياها على وجه اليأس منها لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يسلمها على أن له الرجوع فيها إن أخذها أحد وعاشت عنده. والثاني: أن يسلمها على أنها لمن أخذها. والثالث: أن يسلمها ولا نية له.
فأما إذا أسلمها على أن له الرجوع فيها إن أخذها أحد فعاشت عنده ولم يشهد على ذلك، فقيل: إنه يصدق في ذلك، وقيل: إنه لا يصدق فيه إلا أن يكون إرساله إياها في أمن وماء وكلاء، واختلف إذا صدق في ذلك، هل يصدق بيمين أو بغير يمين حسبما ذكرناه من اختلافهم في لحوق يمين التهمة.
وأما إذا أسلمها على أنها لمن أخذها فلا سبيل له إلى أخذها ممن أخذها وقام عليها.
وأما إذا أسلمها ولا نية له، فقيل: إنه محمول على أنه إنما أسلمها على أن له الرجوع فيها، وقيل: إنه محمول على أنه إنما أسلمها على أنها لمن أخذها وقام عليها إلا أن يكون إسلامه لها في أمن وكلاء وماء.
وإنما لم ير لمن أخذت منه أجرة في قيامه عليها؛ لأنه إنما قام عليها لنفسه لا لصاحبها، ولو شهد أنه إنما يقوم عليها لصاحبها إن شاء أن يأخذها ويؤدي إليه أجر قيامه عليها لكان ذلك له، ولو لم يشهد على ذلك وادعاه لصدق في ذلك على اختلاف، قيل: بيمين، وقيل: بغير يمين، وأما النفقة فلا إشكال في أن له أن يرجع بها عليه؛ إذ قد أثرت في الدابة وأحدث فيها نماء فلا يكون له أن يأخذها بنمائها ويخسر هذا نفقته، وبالله التوفيق.